روح الكتابـــــــــــة
Search by typing & pressing enter

YOUR CART

.. هنا حيث يأبى الحبر جفافه ..

10/28/2018

إلى منبع القراء ..

إلى رحاب معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي لا أزال به الآتي ، متعطشا لدواء الكتب الذي يمحي داء جفاف حبري.
 
تُطوَى السنين وأنت لم تُطوى!! ، تُمحَى الذِّكرَى وَأَنتَ لم تُمحَى !!
كيف أصِفُكَ أيها الصَرحُ الشامخ وأنت تأبى الانقراض جيلا بعد جيل ؟!

أنني أراك كشجرة ضخمة في أَوجِ ازدهارها ، ومَتَانَةِ جِذعِهَا ، ورساخة جذورها. كأني أرى مُحبوك ينعموا على ظلالها ، لتُثمِرَ لهم من تلك الصفحات.

وأراك شلالا يسيل ، يرتوي منه كل من أراد أن تنعم به روح الكتابة ، وأن ينتعش من جنون الثقافة المُعدي لمن حوله. غير مبال بإفلاسه المادي ؛ لأنه من أشد معارضي الإفلاس الثقافي.
 
إنها الكلمة ، عُملَة صالحة وقابلة للتداول. تَفُوقُ في قِيمتها على الذهبِ والفضة.
وأراك أباً يمرح أبناؤك بجانبك ، رغم اختلاف ثقافاتهم ، وعروقهم وأديانهم. على أمل أن أراك جَدَّا وَقُورَاً ، ليأتوا أحفادك الجدد وينعموا في حب الكلمة المقروءة.
ولكنك لازلت في سن الكَمَال ولم تَصِلْ للشَيبِ بَعد. لكنني أُجزم بذلك !! منذ فجر ولادتك عند تلك الخيام التي تبدو كعروض السيرك ، إلى اعتلائك لعرش النهضة والرقي.[1]

وأراك ناديا رياضيا ، حيث لا جهد بلا ألم ، لمن أراد أن يرفع أثقال الأدب ، ويأمل أن يكون كنزا يمشي على الأرض ، ويغدو عقله خزينة معرفية عملاقة.

وأراك كبيت الحكمة[2] ، يجتمع تحت سقفك العلماء ، ولكن يأبى العُمرُ أن يكون شرطاً للدخول فأقبل الفوج الكبير إليك ، ليهيئوا حبر العقول ويُفرِغُوا كل ما بداخلهم على تلك الأوراق ، ولا حاجة لخادم يهيئ الحبر لمرتاديه.

وأراك عوالم في عالم واحد. نندفع به ، نحو مشاهد الكتاب وطيَّاتِه بمَقبَضِ الدَّفتين. يقطع صدى ذلك العالم ، صوت اللاصق المزعج الذي يسبب اكتئابا حادا ، ومرضا لا فائدة لعلاجه. يأتي بمصاب جلل وهو يُقتَطَعُ للتو من شريطه ، معلنا لحظة استعداد دخول الكتب إلى ظلام الصناديق ، وإسدال الستار على تلك الحديقة الغناء. تعلن الأرفف عن تذوقها طعم الحرية ثأرا من استعباد الكتب. يعود القحط مجددا. مسترسلا مشاعر الفقد الحقيقي. لصديق لا يخون طول دهره.
 
سيولد الفجر رغما عن ظُلمةِ الليالي الحالكة. ورغما عن أيدي التقنية الحديثة ، المتربَّصَة شرا في قلوب عشقت إحساس ملمس الصفحات فأدمَنَته. لا يزال حِبرُ الفكر غير مقتنع بمبدأ جفافه. سيلتقي الأبناء والأحفاد ليعود دبِيبُهُمْ من جديد. سيعودوا ومعهم الشوق لذكرى غيث الكلمات المدرار الذي يروي عطش المرتادين إليه، ولنسج أوعية أفكارهم من طوفان أرفُفِ المكتبات، وللارتحال لبوابة الغد المشرقة البارقة. بعيدا عن المخاطر التي تواجههم أثناء الإقامة هناك.
 
إنني أشفق على من لا يزال في اقتناءه لكتب الطرائف والنُكَتِ منذ سابق عهده ، وأشفق تمام الإشفاق على من طلَّق الكُتُبَ ثلاثا على متن سطحك ، واتجه ومعه هَمُّ مَلأُ معدته بحبات الذرة من ذلك الوعاء ومن كل ما لذ وطاب ، بعد أن ضاق ذرعا حسب مبدئه. إلا أن ذلك لا يعتبر عذرا في إمارة الشارقة حيث ملتقى الفكر والمعرفة ، وأرض الثقافة والكتاب ، التي شيَّدَتْ من العِلمِ ، ميداناً ومَعْلَمَاً ورَمزَاً!!


[1] هذه الجملة تشرح حكاية معرض الشارقة من بداياته في المقر القديم لمركز اكسبو الشارقة إلى مقره الحديث في يومنا هذا

[2] أشهر المكتبات في تاريخ الحضارة الإسلامية

Picture

Comments are closed.

تأسست مدونة "روح الكتابة" منذ الأمسية الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2017 ، لتكون منبرا للكلمات وموجا عاصفا للمدلهمات ، كان مؤسسها والرعيل الأول لتأسيس صفحاتها محدثكم من وراء كواليس السطور { محمد الأنصاري }