روح الكتابـــــــــــة
Search by typing & pressing enter

YOUR CART

((والصبح إذا تنفس))

مقالات صباحية انطلقت من وحي آية من آيات الله العظيمة :)

12/26/2019

أروقة صباح

صباح الخير!
أن يكون صباحك في يوم عطلة، هو أن تكون النفس ضيفة شرف في موسم استجمام استثنائي، يلطفها ويزعزع شقائها بعد يوم متعب. لا تبدأ رحلتها إلا بعد ابتعادها قليلا عن الجسد الذي يضمها. تخطو مدافن رمال شاطئ البحر. وتستنشق رائحة صفاء البحر لأول مرة. هنا تتخيل أن الصباح مثل أروقة قصر قُدَّت بنيانه من زخارف تجيد التسلل، ولوحات فنية تشعل المُقَل أينما تكون. أو مثل ساحة خارجية خارج أروقة القصر. ونوافيرها التي تتطاير قطراتها عشقا. بأشجارها التي زرعت لتطرق طبول الحياة وتزعج البؤس والضجر. تشتعل المخيلة بذكرى رحلتي الأوروبية في أحد مواسم الصيف في قصر نيمفينبورغ في مدينة ميونخ الألمانية. والنكهة الأوروبية التي تضفي شيئا من الهيبة في أرجائه.

هكذا يكون الأمر عندما تصبح ملامح السعادة في يوم الخميس، اتحدث عن عدوى العشق، حينما تصيب يوم الأربعاء. يصبح ليوم الأربعاء نكهة أخرى بعيدا عن اعتياده كيوم عمل لا جديد فيه. كأن ترحيبي ليوم الخميس كضيف، أهلكته ساعات الأيام التي تمر ببطئ، وتجمدت كجبال جليدية صلبة. وكأن تلك العقارب تنفي عادتها كقطرات تتساقط بسرعة من شلال يسيل، إنها تبرز شدة خوفها من المرتفعات. أهلكته تلك الثواني البطيئة، ليعود بعدما ازداد ألما من عجلات الضغوطات وأكثر الترحال ما بين محطات الشوق غصبا.

بينما الأغلبية تعتبر هذه العطلة مناسبة في مساءها. أنهض من سباتي، من قيود منطقة الراحة، من قيود وسادتي التي تتعلق بي، من هواء المكيف الإرهابي الانتحاري المهدد للاستيقاظ. ليلامس الماء جلدي، يطهره من شظايا الكسل والخمول، يهيئه لأهبة الاستعداد لصلاة الفجر. وكما هو مميز في مثل هذه الفترة. هذه الصلاة الاستثنائية، في تساوي الصفوف، في لحظة رمي أثقال الحياة بكامل قوتنا إلى الوراء، لحظة وجهة النفس لرفيقها الأعلى، إلى نعم المولى. الله أكبر، قداسة كلمة تجعل من القلب مُعلِنَاً ولائه لخالقه. وكأن له مُقلَةً تَدمَعُ حُبَّاً بعدما سيطرت عليه الأهواء التي أعمت فأعمت. كما تقول أحدى روائع الشاعر الصوفي ابن الفارض والملقب بسلطان العاشقين. أُطيل البقاء في جدران المسجد، واقرأ كتاب الله الذي يدخل القلب حتى ولو لم تكن تقرأه. مفرداته تتسلل إلى القلب إلى صفحات أيامنا التي نكتبها.

أخرج، وتخرج معي بوصلة العادات عن مسارها لأجل صباح أفضل. أسمع لصوت المذياع. أنفض الغبار عن تلك الموجات الصوتية. وكأنني خرجت من ظلمة كهف، إلى حياة ملؤها شغف. هكذا يبدو الوضع حينما تخرج من أسوار برامج التواصل الاجتماعي وتعود لشغف تشتاق إليه فيضمك بحرقة. هكذا كانت مواسم البرنامج الإذاعي صباح جميل عبر أثير إذاعة دبي، تنفرج أسارير روح الإعلامي الإماراتي عبدالله اسماعيل المرحة والمستأنسة خيرا في كل صباح. لتدغدغ كل متصل يُقبِلُ إليه. ولأن للوقت بساط متسع يبدو أبديا. تتجه به الأنظار في جمال الصباح في إمارة دبي. هنا التراقص حُبَّاً. مثل فضول الطفل الصغير في ربط مخيلته بأروقة ذلك القصر.

هكذا كان مبنى الدخول في أروقة صباح هذا اليوم، اتجه إلى تلك القاعة. مكتبة الصفا للفنون والتصميم في إمارة دبي. هي التحفة الفنية الفاتنة من شدة روعة جمالها. المكتبة ترتدي فستان عرس رُقِيِّها المرصع بجواهر الفنون. ببياضها الطاغي بنقائه حول جدرانها. أكمل المشوار على سطحها بقراءة الملحق الثقافي بجريدة الاتحاد. كم أحب قرائته. كأنه يقول لادماني على هاتفي الذكي عليك السلام. ليبدأ السرحان في سطوره. وكأنه عودة لانتظار العدد الجديد لشراء مجلة ماجد بعد الخوض في مقاعد الدراسة. للتسلية والمعرفة في آن واحد. أعود لكتابي. راحتي كقارئ تبحث عن وضعية مناسبة لأجله. أجلس هنا وهناك. لا أحب أن أجلس في مكان واحد وأنا أقرأ كتابي.

أخرج، لاتجه إلى القاعة الأخرى، جارتها. استمع إلى المذياع مرة آخرى. تواصل الروح المرحة مشوارها في إطلاق موجة جنون صباحية. تترابط نهاية البرنامج بمنظر برج خليفة، أطول برج شامخ بناه الإنسان على مر التاريخ وسجلات الأزمان. يسطع شموخا ومعه شموخ الشمس في نداء الصباح. تتواثب تلك النوافير الصغيرة في مقدمته. وكأنها تُبشِّرُ بخير وتهمس: لم يزل هناك وقت! حلِّقْ مستمتعا. أذهب إلى دبي مول. الوجهة المفضلة في كل عطلة. مللت من ترددي إليه مساءا ليصبح الحل الأمثل في التردد إليه صباحا. لينكمش الملل على هيئة صرصار صغير بينه وبين موت بطولة طيرانه قذيفة حذاء تجعل منه قتيلا في معركة دامية بساحة دورة المياه – أكرمكم الله -. ويكبر جمال دبي في عيني منذ صغري إلى تضخم حجمي رغم ازدياد الأثقال على كتفاي. أعود لمكتبته التي أعلن منها عن انتهاء عقدي معها.بعدما كان فيضان الكتب في غرفتي. سوف تبدو قريبا مستودعا خاصا للكتب، أكثر من مجرد غرفة للنوم!

أصل للساحة الكبرى من تلك الأروقة، واجتماع الضيوف في مقاعده الفاخرة. مركز الشباب في أبراج الإمارات في إمارة دبي. المكان الأمثل بالنسبة لي. أتحدث عن روح شبابية وسط مقاعد رجال الأعمال والخطط الاستراتيجية. الصباح هنا يشهد ازدحاما هائلا. الشباب ورجال الأعمال. في ملحمة تماوجية تعكس معنى مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم " لا أحب أن أرى أحدا ليست له هواية أو شغف في الحياة. البطالة ليست فقط في الوظيفة، البطالة تبدأ من الفكر." استكشف في عالم حصيلة أدبية جديدة. أبحر في قاعها. لا أريد لدفتين أن تبقى حبيسة أدراج أرفف المكتبة. هي ذاتها تريد يدان. بل تريد عقلا متفرغا للابحار معها.

تعود بي قيود الأخطبوط، وتنتهي تلك المراسم الرائعة في أروقة هذا الصباح. أعود لظروف الحياة. لزلازلها وبراكينها على هذه النفس. لم تتبق إلا المهمة الأخيرة. استلام تلك الشهادة. شهادة انتصاري في معركة من معارك حياة. أدركت للتو أنني مصاب بلوعة شوقي لها. الحياة الجامعية. هذه المهلة التي كنت أكرهها. انتقمَتْ مِنِّي بِمَشَاهِدِهَا التي تعيد الحنين. أحببتها لحريتها. أحببتها لأنها تعلن أوج مسيرة العلم. وما علينا إلا المضي قدما. تنبعث هذه المشاعر وأنا في ميدان الرجال أثناء تأديتي لواجب الخدمة الوطنية. تشتاق لتلك الحياة المدنية المليئة بالحرية في حياة تنعدم بها أساليب الحياة لأجل بناء تلك الشخصية الفذَّة. أعود بالحنين إلى تلك الأيام. لكنِّي انتظِرُ قُدومَ الطُلاب ليزداد الحنين لهيبا. الكلية خالية من الحياة إلا من بعض الموظفين. لتبدو وكأنها كمبنى مهجور تماوجت به أمواج الرعب وتلاطمت على جدرانه. أعود للنور بعدما أبصرتُ الظلام المسيطر بداخل الكلية في مثل هذه الأجواء. ومعي شوق ابي فراس الحمداني يقول : بلى انا مشتاق وعندي لوعة..


أعود إلى أسوار منزلي. فتبدأ تلك الغيبوبة بعد طول ترحال في هذا القصر. قيلولة الظهر. تتساقط عليَّ أسلاك الكسل. كما هو الحال في غرفة الإنعاش ولحظات تكاد قلوبها أن تتساقط خوفا في مركز الطوارئ. حيث لحظة إعلان القدر كلمته الأخيرة. التي لا تأبه بعرق أو طائفة أو دين. ولا تكترث بثروة ولا جاه ولا شهرة من متابعين. أفوق من السبات فجأة. لا زال حنين الصباح في داخلي. منذ تلك اللحظة، عرفت أنه لا مجال للعودة إلى أحضان المساء ورؤية العين لجمال البدر. ولكن هذا هو المصير. أصبحت مسائيا حتى إشعار آخر. أقولها مرارا. ظروف الحياة لا تكف عن ملاحقتنا.

لكنها ليست النهاية. نهاية هذه السطور التي كُتِبَت في بداية شهر اغسطس لهذا العام. انهيتها اليوم في ساعات الفجر الأولى في مقهى كوستا بمطار دبي الدولي ومبناه الثالث الفسيح. محاكاةً لطقس كاتب، تمكن أسلوبه الممتع من عقلي ومعه مؤلفاته الرائعة . بين دموع الاشتياق التي تتفجر ينابيعها لرؤية حبيبها الغائب. وارتفاع حرارة العناق بين الأحباب بعدما كان سُمُّ الغياب..

9/8/2019 م
مقهى كوستا
بمطار دبي الدولي المبنى الثالث

Picture

Comments are closed.

تأسست مدونة "روح الكتابة" منذ الأمسية الثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 2017 ، لتكون منبرا للكلمات وموجا عاصفا للمدلهمات ، كان مؤسسها والرعيل الأول لتأسيس صفحاتها محدثكم من وراء كواليس السطور { محمد الأنصاري }